فصل: شهر جمادى الثانية سنة 1220:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر جمادى الأولى سنة 1220:

استهل بيوم الأحد، فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكأنها إشارة وعلامة لأصحابهم.
وفي يوم الاثنين، سبح جماعة من الجيزة إلى جهة أنبابة، وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة، وركب محمد علي باشا أواخر النهار وذهب إلى بولاق ونزل ببيت عمر بك الأرنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلاً وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا إلى جهة أنبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى أجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم، واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع.
وفي يوم السبت، سابعه طلع بشير آغا القابجي وصالح آغا السلحدار إلى القلعة وتكلموا مع أحمد باشا ومن معه، وقد كانت وردت مكاتبات من قبكان باشا في أمر أحمد باشا، ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا أحمد باشا إلى بيت سعيد آغا الوكيل وركبوا معه إلى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم، ثم طلع طالح آغا وأربعة من عظمائهم، ثم نزلوا، ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والإياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا أسفل وطلب القلعاويون شروطاً وعلائفهم الماضية، وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول أحمد باشا المخلوع في يوم الاثنين وتسليم القلعة والجبخانة.
وأصبح يوم الاثنين، فطلبوا جمالاً لحمل أثقالهم فأرسلوا إلى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل، فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم، وأنزل الباشا حريمه إلى بيت مصطفى آغا الوكيل، ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور، وذهب أكثرهم بعزالهم إلى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة، وأخذوا ما وجدوه فيها من المتاع، وطلع حسن آغا سرششمه بجملة من العسكر إلى القلعة وانقضى ذلك اليوم، ولم ينقض نزولهم، وحضر الوالي أيضاً وقت العشاء إلى بيت السيد عمر وطلب خمسين جملاً، فلم يتيسر إلا بعضها.
وأصبح يوم الثلاثاء، فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه إلى جهة الخروبي، وذهب إلى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح آغا قوش، ونزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجزية لضعف الأكاديش وسكن ببيت السيد عمر النقيب وسكن صالح آغا ببيت شيخ السادات، وذلك عاشر جمادى الأولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وأرسل السيد عمر فنادى تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فإن القوم لا أمان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم، وأما الأمراء المصرلية فإنهم وصلوا إلى التبين، واجتمعوا هناك ما عدا علي بك أيوب وسليمان بك وعباس بك فإنهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك، وأما الدالاتية الأنجاس فإنهم مستمرون على نهب البلاد وسلب الأموال وأذية العباد. ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها وأسواقها وأخذوا ما فيها من الودائع والأموال وسبوا النساء وفعلوا أفعالاً شنيعة تقشعر منها الأبدان، ثم انتقلوا إلى المحلة الكبرى وهم الآن بها أما محمد بك الألفي فإنه حاصر دمنهور مدة مديدة، فلم يتمكن منها، ثم ارتحل عنها ورجع مقبلاً، ووصل ناحية الطرانة، وأما قبطان باشا، فإنه لم يزل مقيماً على ساحل أبي قير.
وفي يوم الخميس، وصلت الأخبار بذهاب قبطان باشا إلى سكندرية وفي يوم الأحد، خامس عشره نزل أحمد باشا المخلوع إلى المراكب من بولاق وسافر إلى جهة بحري وأتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتردار وكثير من أتباعه، ولم يسهل بهم مفارقة أرض مصر وعنائمها مع أنهم مجتهدون في خرابها.
وفيه وصل الألفي الكبير والصغير إلى بر الجيزة.
وفي يوم الاثنين، اتفق جماعة من الأرنؤد، وقصدوا الذهاب إلى بر الجيزة فوصل خبرهم إلى محمد علي باشا فأرسل إليهم عسكراً ومعهم جحو فلحقهم عند المعادي بحري بولاق، فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا.
وفي بنى حجاج الخضري حائطاً وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة.
وفي يوم الأربعاء، سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الأقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء خمس عشرة، وأحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد وألبسه منصبه في رآسة الأقباط، وكذلك خلع على السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ما كان عليه أبواه من أمانة الضربخانة وغيرها.
وفي تلك الليلة، قتل شخص كبير بيكباشي تحت بيت الباشا بالأزبكية وضربوا لموته مدفعاً، وذلك لأمر نقموه عليه.
وفيه سافر كتخدا بك إلى جهة المنوفية وقبض على كاشفها وأخذ ما معه من الأموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه وأخذها أيضاً ووجد له غلالاً كثيرة ومواشي وغير ذلك وفي يوم الجمعة عشرينه، الموافق لحادي عشر مسى أفى النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك، وأشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الأمراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا بإخراج الخيام والنظام إلى ناحية الجسر وعمل الحراقة، ثم أمر بكسر السد ليلاً فما طلع النهار إلا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا أحد من الناس، ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الأمراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر إلى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم، وصل طائفة من الأمراء إلى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال وأحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا إلى الأشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين، فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين، فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي وأحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف وأجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الألف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبأيديهم البنادق والسيوف والأسلحة ومروا بالجامع الأزهر وذهبوا إلى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي فامتنع السيد عمر من مقابلتهم، فدخلوا إلى بيت الشيخ الشرقاوي، وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالوا لهم هذا لا يصح، ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والأولى ذهابكم وإلا أحاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم، فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في أثرهم حسن بك الأرتؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة، وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا إلى الخلاء فرجع على أثره، وأما الفرقة الأخرى فإنهم وصلوا إلى باب زويلة وتقدموا قليلاً إلى جهة الدرب الأحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقرى إلى داخل باب زويلة وأرادوا الدخول إلى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية، فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فأصيب منهم أشخاص وقوي جأش العسكر الذين جهة الدرب الأحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة أشخاص وقعوا إلى الأرض، فلما عاينوا ذلك ولوا الأدبار وتبعهم العسكر يضربون في أقفيتهم، فلم يزالوا في سيرهم إلى النحاسين، وقد أغلق الناس بوابة الكعكيين، وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين، وكان جحو الساكن بالخرنفش عندما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف، فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب إلى جهة باب النصر لظنه أنه لا يمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه، فلما وصل إلى باب النصر وجده مغلقاً وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على أثره وذهب إلى باب الفتوح، فلم يجد به أحمد فاطمأن حينئذ، وعلم سوء رأيهم فأغلقه وأجلس عنده جماعة من أتباعه ورجع على أثره إلى جهة بين القصرين فصادف أدبار الجماعة والعسكر في أقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجوههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في أيديهم، وعلموا أنه قد أحيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية، وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة إلى جهة باب النصر فوجدوه مغلقاً فنزلوا أيضاً عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور إلى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت، ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية وأغلقوا على أنفسهم الباب احتطت بهم العسكر وأحرقوا الباب وتسور أيضاً عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم وأخذوا ما معهم من الذهب والنقود والأسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الأغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الأقدام موثوقو الأيدي يضربونهم ويصفعونهم على أقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى إلى بيت الباشا بالأزبكية، وكان قد استعد للفرار وتحير في أمره، ونزل إلى أسفل يريد الركوب وإذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والأسرى في أيديهم، فعند ذلك سكن جأشه وامتلأ فرحاً ولما مثل بين يديه أحمد بك تابع البرديسي الذي كان أميراً بدمياط وحسن شبكة ومن معهما، قال لأحمد بك يا أحمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه وأتوا بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطاناً من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم وأراد قتل محمد علي باشا وقتل أنفاراً، فقام الباشا وهرب إلى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي أرجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العري والحقارة والذلة. أمره، ونزل إلى أسفل يريد الركوب وإذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والأسرى في أيديهم، فعند ذلك سكن جأشه وامتلأ فرحاً ولما مثل بين يديه أحمد بك تابع البرديسي الذي كان أميراً بدمياط وحسن شبكة ومن معهما، قال لأحمد بك يا أحمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه وأتوا بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطاناً من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم وأراد قتل محمد علي باشا وقتل أنفاراً، فقام الباشا وهرب إلى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي أرجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العري والحقارة والذلة.
وفي ثاني يوم، أحضروا الجزارين وأروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون إلى ذلك، وأحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبناً وخيطوها.
وفي ليلة الاثنين، خرج عابدي بك بعساكر الأرنؤد براً وبحراً إلى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها إبراهيم بك الكبير وابنه مرزوق بك وأمراؤهم فقتل من عسكر الأرنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين، وحضروا إلى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء.
وفي تلك الليلة، قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل أنهم عملوا على أنفسهم ثلاثمائة كيس فأبقوهم وقتلوا الباقي قتلاً شنيعاً وعذبوهم في القتل من أول الليل إلى آخره، ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبناً ووسقوها في مركب وأرسلوها إلى الإسكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون رأساً وفيهم من غير جنسهم وأناس جربجية ملتزمون واختيارية التجؤوا إليهم ورافقوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم إلى إسلامبول وكتبوا في المراسلة أنهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى أفنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس أعيانهم وأكابرهم، فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وفبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغريبة وأحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم وأتباعهم، ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون أتباعه وباقيهم أشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وأرنؤدية، ولم يتفق للأمراء المصرية أقبح، ولا أشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وغل أيديهم.
وفي يوم الأربعاء، حضر طائفة الدلاة إلى ناحية الخانكة بعدما طافوا إقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية، وفعلوا أفعالاً شنيعة من النهب والسلب والقتل والأسر والفسق وما لا يسطر ولا يذكر ولا يمكن الإحاطة ببعضه.
وفيه أفرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على أربعة آلاف وثمانمائة كيس وأن يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الأقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ما عدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا.
وفي يوم الجمعة، خرج عدة كبيرة من العسكر إلى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة وأميرهم عمر بك تابع عثمان بك الأشقر ومحمد بك المبدول وكثير من الأجناد المصرية وحسن باشا الأرنؤدي.
وفي يوم السبت، رجع القرابة المشاة وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة، فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين إذا وردوا قرية نهبوها وأخذوا ما وجدوه فيها وأخذوا الأولاد والبنات وارتحلوا فيأتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضاً ما أمكنهم ثم يرتحلون أيضاً خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون أقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء وأخذ الدلاة من عرب العائد خمسمائة جمل، وذهبوا على طريق رأس الوادي.
وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك إلى منوف وقبض على كاشفها وأخذ منه ما جمعه، ثم أنه فرد على البلاد التي وجد بها بعض العمار أموالاً من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلداً وأرسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شيء منها ليحصل قدراً يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الإقليم، وانقضى شهر جمادى الأولى.

.شهر جمادى الثانية سنة 1220:

استهل بيوم الاثنين، في ثانيه، وصل ولدا محمد علي باشا إلى ساحل بولاق فركب أغوات الباشا واستقبلوهما وأحضروهما إلى الأزبكية وعملوا لهما شنكاً تلك الليلة.
وفي ثالثه، طلع محمد علي باشا إلى القلعة وأجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع.
وفي رابعه، رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة إلى حد العائد، ثم رجعوا وذهب الدلاة إلى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والأحمال وعدتها أكثر من أربعة آلاف جمل وما نهبوه من البلاد وأسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه، ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم إلا زيادة الضرر، ولم يحصل الباشا المخلوع الذي استدعاهم لنضرته إلا الخذلان وكان في عزمه وظنه أنهم يصيرون أعوانه وأنصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على إزالة الطائفة الأخرى فانتحس بقدومهم وأورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم، ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الإقليم، وكان كلما خوطب وعوقب في أمر أو فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدالاتية ويحصل بعد ذلك النظام، فلم يحصل بوصولهم إلا الفساد وانتقضت دولته وانعست قضيته.
وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق.
وفي خامسه، حضر كتخدا بك ليلاً وأشار بإبطال ذلك الدفتر لما فيه من الإشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين أنه يفعل ذلك باجتهاده ورأيه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم.
وفيه سافر أيضاً جانم أفندي الدفتردار وسافر صحبته قابجي باشا الأسود المسمى بشير آغا.
وفيه سافر بعض كبرائهم إلى جهة السويس ليأتي بالمحمل.
وفي يوم الجمعة، ورد أحمد أفندي من سكندرية وهو الذي كان أتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه أحمد باشا خورشيد من الورود وكتبوا في شأنه عرضحال من المشايخ والوجاقلية بمنعه وإبقاء جانم أفندي واستمر بالإسكندرية إلى هذا الوقت وحضر الآن بمراسلة من قبطان باشا وأحضر صحبته تقرير السعيد آغا على الوكالة وإبقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان آغا حافظ.
وفي يوم الأحد رابع عشره، تغيب جرجس الجوهري فيقال أنه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل.
وفي يوم الاثنين، حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب إلى بيته لقضاء أشغاله.
وفيه وصلت القافلة والمحمل وأراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على أحمالهم بألف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر.
وفيه طلب الباشا حسن آغا نجاتي المحتسب والأمير إبراهيم الرزاز، وطلب أن يقلد حسن آغا كتخدا الحج والأمير إبراهيم ديودار بشرط أن يكلفا أنفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهما على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن آغا وقلد عوضه آخر يسمى قاضي أوغلي على الحسبة.
وفي يوم الثلاثاء، ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بأنه ركب من دير مصر العتيقة وذهب إلى الأمراء المصرلية بناحية التبين.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره، توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره، توفي حسن أفندي ابن عثمان الأماحي الخطاط.
وفيه قلدوا علي جلبي بن أحمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين.
وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائداً إلى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي.
وفي عشرينه، تقلد الحسبة شخص يقال له عبد الله قاضي أوغلي وكذلك تقلد قبله بأيام إبراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك إسماعيل بك ويعرف بالألفي وهو زوج هانم ابنة بنت إسماعيل بك آغاوية مستحفظان.
وفيه أفرجوا عن حسن آغا المحتسب وإبراهيم الرزاز وقرروا على الأول خمسة وستين كيساً وعلى الثاني خمسة عشر كيساً يقومان بدفعها.
وفيه أنزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري إلى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون.
وفي حادي عشرينه، قلدوا ياسين بك كشوفية بني سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفاً على منفلوط وغيرها.
وفي أواخره، حضر محمد كتخدا الألأفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد التزام وأنه يأتي إلى الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك أياماً وأما باقي الأمراء المصرليين فإنهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا إلى جهة قبلي بناحية بياضة، ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجاً وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وأن المصريين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية، وكل ذلك لا أصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للألفي مكاتبات بذلك وأن يكون في ضمنهم.
وفي أواخره أيضاً احتاج محمد علي باشا إلى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك وأخبرهم بأن العسكر باق لهم ثلاثة آلاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة، فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق إلا هذه النوية ومن هذا الوقت إذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا إلى بلادهم، ولم يبق منهم إلا المحتاج إليهم وأرباب المناصب ولا يأخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس بالفردة وتقرير أموال على أهل البلد وانحط الأمر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة، ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرماناً ونلتزم بعدم عود ذلك ثانياً ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة أخرى، ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة إلى أن رضي الناس واستقر أمرها وشرعوا في تحريرها وطلبها.